الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث العاصمة-في وضح النهار: طالبة ماجستير تتعرض الى براكاج واغتصاب وحشي بعد وقوعها من الطابق الثاني وكسر عمودها الفقري!

نشر في  31 مارس 2020  (13:03)

 تعرّضت طالبة في أحد المؤسسات الجامعية، الأحد 29 مارس 2020، إلى عملية براكاج من قبل فتاة بالعاصمة، حيث استولت على حاسوبها الخاص وهي في طريقها إلى منزلها ثم قام شاب منحرف باستدراجها موهما أياها أنه سيقوم بمساعدتها ودلّها على الفتاة التي قامت بسرقتها إلاّ أنه استغل سذاجتها ليحاول مرة أولى الإعتداء عليها لكنها رغم الإلقاء بنفسها من الطابق الثاني إلا أنه سارع بأخذها واغتصابها ولم يشفع لها حتى كسر عمودها الفقري.

 التفاصيل أعلنتها الناشطة السياسية والاستاذة فتحية السعيدي في تدوينة نشرتها على صفحتها الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي بالفايسبوك وجاء فيها ما يلي:

"غاضبة، متألّمة، ثائرة ومنتفضة على حيوانات بشرية ومنتقدة لسياسات عمومية ولخلل كبير أراه

(لمن يقرأ وله الصبر على قراءة تدويناتي الطويلة ولكن أيضا، لمن يهمه الأمر ومعني بضحايا العنف)

منذ 24 ساعة أعيش على وقع حادثة لن أدخل في تفاصيلها كثيرا ولكن ألخصها باقتضاب شديد:
صورة الحادثة هي:

- طالبة في أحد المؤسسات الجامعية ناقشت خلال شهر جانفي رسالة الماجستير آملة في مستقبل أفضل لها وهي مقبلة على الحياة. يرسل لها والدها حاسوب، تحمله بشغف وهي عائدة لمنزلها (على وجه الكراء في العاصمة). تتعرض لبراكاج من فتاة مثلها خطفت لها الحاسوب.

في الأثناء يتقدم شاب لها ويوهمها بأنه سيساعدها ويُرجع لها الحاسوب لأنه يعرف الفتاة (أو شريكته في الجريمة) التي خطفته منها. تصدق وتذهب معه لتصل لشقة الفتاة المزعومة في الطابق الثاني لأحد العمارات المجاورة لمكان البراكاج.. هناك، فهمت بأن الشاب نفسه ينوي الاعتداء عليها فتتصدى له وتلقي بنفسها من البلكون (أي من الطابق الثاني).

هذا الحيوان البشري لم يكتف بما حدث. ينزل ويحملها من أسفل ويغتصبها وهي بلا حركة... (قمة السفالة والرذالة والحيوانية والانحراف). هذه الجريمة حدثت في وضح النهار وقبل بداية حظر التجوال بساعة

- بعدها، تصل الضحية لأحد مستشفيات العاصمة في هذا الوضع الذي تعيشه البلاد أي مكافحة فيروس الكورونا وتوسع فيروس العنف المسلّط على النساء وتوزّع الجريمة في ثنايا المدينة النائمة على أحزانها.

- إثر معاينة حالتها الصحية، الموضوع المستعجل هو إجراء عملية استعجالية لكسر في مستوى عمودها الفقري.. عملية لا تجرى إلا متى توفر مبلغ 4.5 ألف دينار (معلوم مسامير وجراحة). تتخبط العائلة التي تسكن في أحد الولايات البعيدة عن العاصمة وتتدبر أمرها وترسل أختها لها في ظل هذا الحجر العام الذي تعيشه البلاد، وتجرى لها العملية...

السياسات التي وجب تغييرها رغم بعض العلامات المضيئة هي:

1. يعلم الجميع (أفترض ذلك) أن أبنائنا عندما يبلغون سن 18 سنة يصبحون خارج التغطية الصحية للولي. وهذا خطأ فادح في السياسة الاجتماعية والصحية في بلادنا. فالجميع يعرف بأن الأسر تظل تنفق على أبنائها حتى التخرج وطيلة فترة البطالة... فكيف لا يأخذ القانون هذا بعين الاعتبار ولماذا يضع الشباب في وضع هش؟

2. بالنسبة للطلبة، سيقول البعض لي بأنهم مكفولين من الدولة في الضمان الاجتماعي طيلة فترة الدراسة. كل طالبة أو طالب عليه أن يستخرج بطاقة علاج من SNSS وأعرف بأن غالبية الطلبة لا يستخرجون هذه البطاقة لأن التحسيس ناقص أو غير موجود تماما. وأعرف أيضا، بأن هناك من سيقول بأن الاستظهار ببطاقة طالبة في المستشفيات كاف وبعدها يقوم الطالب ببقية الاجراءات للحصول على بطاقة العلاج (أوكي). وهنا أتساءل عن وضع الطلبة الذين في مثل وضعية هذه الطالبة الضحية (أي أولئك الذين ينتظرون مناقشة رسائل بحثهم وغير مطالبين بإعادة التسجيل وليس لهم ما يفيد أنهم طلبة سوى بطاقة طالب للسنة الجامعية السابقة). قطعا، هم خارج التغطية الصحية وقطعا هم لا يتمتعون بحقوق اجتماعية. بكلمة هم بلا عنوان، فهم خارج كفالة الأسرة والدولة معا... وهذا خلل كبير ينسحب طبعا على العاطلين عن العمل بكل أصنافهم سواء كانوا خريجي جامعات أو مدارس أو أميين

3. في وضعية الحال، هي خارج التغطية الصحية التي يتمتع بها والدها وهي خارج التغطية الصحية التي من المفروض أن يتمتع بها الطلبة ولكن هي ضحية عنف بحكم فعل الاغتصاب الذي تعرّضت له... ماذا يحدث في مثل هذه الحالة؟

4. من حسن الحظ أن بلادنا صادقت على القانون عدد 58 لسنة 2017 المناهض للعنف المسلط على النساء (هذه علامة مضيئة أولى)، وفي هذه الحالة فإن المرأة التي تتعرض للعنف وتتكفل بها أحد الفرق المختصة التابعة لوزارة الداخلية يتمّ توفير تسخير لها كي تتمتع بمجانية العلاج وهو ما حصل اليوم مع الضحية التي كانت مطالبة بدفع مصاريف علاج وإقامة بالمستشفى قبل خروجها. ومن حسن الحظ أيضا، أن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات قد تعهّدت بهذه الضحية ورافقتها من خلال الاخصائية النفسية وأحد الطبيبات المنتمية للجمعية والتي تمكنت من زيارتها في المستشفى لكسر عزلتها ولمساعدتها (وهذه علامة مضيئة ثانية). وهنا اتخذت التدابير اللازمة لكي يتمّ إرسال التسخير لها لتغادر اليوم بعد أن كانت مجبرة على إمضاء كمبيالات معاليم الدواء والإقامة في المستشفى.

5. زميلات لها اتصلوا ببعض اساتذتها (علمت بموضوع الضحية من زميل لي في المؤسسة التي تدرس فيها الضحية). والزميل الذي اتصل تحرّك بدوره وعند اتصاله بي أرسلت له رقم الاتصال بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات كما أرسلت له الرقم الأخضر "الشهير بلا شهرة": 1899 وهو رقم وضعته وزارة شؤون المرأة والأسرة على ذمة النساء المتعرضات للعنف... في الهاتف الذي جمعني بزميلي كنت أحثه على الاتصال بالرقم الأخضر وكان في داخلي ثقة بأن الإجابة التي ستصل من الرقم الأخضر ستكون شافية بحجم الوضعية. ماذا حدث؟ استطاع زميلي الاتصال بهذا الرقم "الشهير بلا شهرة" كما أسميته، فجاءه الرد: "عليها الاتصال بالفرقة المختصة للولاية كذا التي يسكن بها والدها... يجيبها بأنها طالبة تسكن بالعاصمة وهي مقيمة بمستشفى في العاصمة فيأتيه الرد بأن هناك تراتيب إدارية وبما أن الطالبة من ولاية كذا يجب الاتصال بالفرقة المختصة التي هناك". إجابة ميكانيكية رديئة، لا تشبه أي شيء إلاّ أنها تعبّر عن بيروقراطية مقيتة لا تتماشى جوهرا ومضمونا مع ما يتطلبه تطبيق القانون عدد 58-2017

6. عاد زميلي لي، ليخبرني بهذه الإجابة فطلبت منه التريث وأخبرته بأنني سأتصل بنفسي بالرقم بحكم اطلاعي الدقيق على القانون 58.. باختصار، أقسم بأنني اتصلت مرارا ولا أحد رفع الهاتف الأخضر، وكان ذلك بين الساعة الرابعة والنصف والسادسة مساء من يوم أمس... في الأثناء استطعت الاتصال بأكثر من مناضلة من مناضلات الجمعية اللواتي أخبرنني بأنهن يتابعن الوضعية وبأن هناك اجراءات قد اتفقن عليها (الإحاطة النفسية والتعهد القانوني بالقضية وغيرها من إجراءات أخرى تم تقريرها). بهذه المكالمات الهاتفية مع رفيقاتي في الجمعية استطعت أن أهدأ قليلا فهي بين أيدي أمينة كنت أردد في داخلي.

7. أستفيق اليوم على هاتف زميلي الذي يتابع موضوع الطالبة التي تدرس في مؤسسته ليخبرني بأن الطالبة ستخرج اليوم وهي مطالبة بدفع مصاريف العلاج وهي لا تملك فلسا واحدا فعدت للاتصال بالجمعية ومن حسن الحظ تمّ توفير التسخير لها وغادرت دون دفع مصاريف إضافية. زميلي أعلمني أيضا بأن وضعها الصحي يتطلب "سرير وجراية خاصة" بالنظر لوضع الكسور التي تعرضت له (وهذا مشكل آخر في وضع الحال). بعدها عاد ليخبرني بأنه تدبّر الأمر واستطاع مع من معه أن يوفروا لها هذا السرير في منزلها بالعاصمة. (هذه نقطة أخرى مضيئة ففعل التضامن ومتابعة أساتذة لما يمسّ طلبتهم والحرص الذي كنت أشعر به من زميلي ورفيقي سعيد مصباح غير غريب عن مناضل مثله). الحمد الله في كل الأحوال، فهناك من لهم حس إنساني عالي في هذه البلاد.

ملاحظات ضرورية وأعتقد بأنها هامة:

- أي امرأة تتعرّض للعنف يجب أن تعرف بأن هناك فرق مختصة تابعة لوزارة الداخلية وهي متوفرة في كل الولايات. علما بأن وزارة الداخلية من الوزارات التي حرصت على توفير هذه البنية الضرورية بموجب القانون عدد 58-2017. وللعلم أيضا، بأن الفرقة المختصة بالقرجاني تتكفل بكل الحالات الموجودة بتونس العاصمة حتى وإن كانوا من ولايات أخرى. وهي إجابة غابت عن التي ردت على مكالمة زميلي عندما اتصل بالخط الأخضر التابع لوزارة المرأة وهناك رقم لهذه الفرقة من المفروض أن يوفره الخط الأخضر للمتصلين

- أي امرأة تعرّضت للعنف واتصلت بإحدى الفرق المختصة ستحصل على تسخير يمكّنها من مجانية العلاج، لذا وجب التعرّف على هذا الإجراء للمطالبة به أو التذكير به حتى وإن كانت الفرق المختصة قائمة بهذا الواجب.

- مطلوب تكوين الفريق العامل في الخط الأخضر . وهو آلية مهمة وضعتها الوزارة على ذمة النساء ولكن وجب مزيد تكوين العاملين والعاملات فيه والابتعاد عن بيروقراطية مقيته. فاالعفف قد ارتفع داخل الأسرة وعلى النساء خلال هذا الحجر العام ، وهناك، من يرى بأنه قد ارتفع 05 مرات (قرأت هذا في مقال لإحدى الصحف ووحدها الدراسات فيما بعد ستبين الحجم الحقيقي لهذا الفيروس الإنساني المقيت الذي لا يقل خطورة عن فيروس الكورونا).

- مراجعة التغطية الصحية للشباب والطلبة وهذه مسألة ضرورية، إذ من غير المعقول أن نجد شبابا في وضع هش وخارج التغطية الصحية. الحق في الصحة حق إنساني ودستوري فوفروا له الإمكانيات التي يحتاجها وعدّلوا القوانين لا تتماشى مع هذا الحق

- الوضعيات الهشة للشباب قد تصل بهم إلى: إما صعوبات عند استخراج بطاقة التعريف الوطنية أو تدفعهم إلى عدم استخراج هذه البطاقة ويصعب فيما بعد تحديد هوياتهم. وهذه نقطة أخرى سوداء أضيفها لأن المغتصب أو هذا الحيوان البشري الذي اعتدى على الطالبة هو الآن في وضع فرار لا يمتلك هوية أي ليست له بطاقة تعريف وطنية. ورغم ثقتي في الأمن الوطني الذين سيصلون له آجلا أم عاجلا بما أن لهم صورته فإن وجود أشخاص بلا بطاقة تعريف وطنية تجعلهم يعيشون في مجتمع مواز لا نعرف عنه غير ما يظهر منه.

هذه صرختي اليوم، وهذا ألمي وغضبي الذي عبّرت عنه بكامل الوضوح وعلى السلط العمومية التكفل بالباقي ومتأكدة من أن الجاني سيلقى العقاب الذي يستحقه ولكن بعد أي ثمن. قلبي دامي وعقلي وروحي يرحلان مني للتفكير بمأساة هذه الطالبة التي أتمنى لها الشفاء من كسورها والشفاء النفسي من جراح يصعب لملمتها. لها مني كل الحب وكل الدعم والمواساة ومتأكدة بأن مناضلات الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات سيكسرون عزلتها".